حق المرور للأرض المحصورة.
مفهوم حق المرور للأرض المحصورة.
يقتضي تحديد مفهوم حق المرور للأرض المحصورة في القانون الجزائري تعريفه تعريفا شاملا ودقيقا في الفقه و القانون و القضاء من أجل استخلاص العناصر المكونة لحق المرور ، كما أن تحديد مفهومه يقتضي أيضا التعرض كذلك للخصائص التي تميزه عن غيره من الحقوق والمستنبطة أساسا من الطبيعة القانونية لهذا الحق ، من خلال تمييزه عن مفهوم كثيرا ما يختلط به وهو حق الإرتفاق أو إرتفاق المرور نظرا لما لهذا التمييز من آثار، لأنتهي إلى إبراز الشروط المنصوص عنها قانونا لقيام هذا الحق.
وعلى هذا الأساس ارتأيت تخصيص المبحث الأول من الفصل إلى مختلف التعريفات الممنوحة لهذا الحق سيما الفقهية منها القانونية والقضائية ، المبحث الثاني إلى تحديد الطبيعة القانونية ل حق المرور للأرض المحصور ة، وفي مبحث ثالث إلى أمر غاية في الأهمية وهو الشروط الواجب توفرها قانونا لقيام هذا الحق.
المبحث الأول: تعريف حق المرور للأرض المحصورة
إذا كانت التشريعات المقارنة قد أوردت أحكاما خاصة بحق المرور في حالة الحصر، فإن المشرع الجزائري قد اعتنى هو الآخر بتنظيم هذا الحق ف أورد أهم الأحكام القانونية الخاصة به من خلال تبيان الشروط القانونية لقيامه، الضوابط الخاصة بتعيين الممر، آثاره القانونية وكيفية انقضائه ، فكيف يا ترى عرف المشرع الجزائري حق المرور للأرض المحصورة ؟ وهل اهتم الفقه بتمييزه عن المفاهيم الأخرى المشابهة له ؟ وكيف كرس القضاء في الإجتهادات والقرارات القضائية الصادرة عنه أحكام هذا الحق ؟
المطلب الأول: تعريف حق المرور للأرض المحصورة فقها
لقد تعددت مذاهب الشراح في تعريف حق المرور القانوني ف يقول الدكتور إدريس فاضلي في هذا الإطار: "إن الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة التي سعى المشرع إلى تحقيقها بتقييد سلطة استعمال المالك لفائدة المصلحة الخاصة للغير، تتمثل على وجه الخصوص في حق المرور الممنوح لمالك الأرض المحصورة لاستغلال أرضه مقابل تعويض مناسب" (1).
ويقول الإمام أبو حنيفة أنه: "في سكة لا تنفذ ليس لأصحابها بيعها ولو إ تفقوا عليه ولا أن يقتسموها فيما بينهم ، إذ الطريق الأعظم إذا كثر فيه الناس كان لهم أن يدخلوا هذه السكة حتى يخف الزحام" ، و قد سئل الإمام مالك عمن يمر إلى العين في أرض مزروعة للقوم، فقال: " إن كان ذلك يفسد زرعهم فلهم أن يمنعوه." (1)
أما عن الإمام أبي زهرة فيعرّف حق المرور قائلا: "حق المرور هو أن يكون للشخص الحق في الوصول إلى عقاره وحده أو معه دوابه، وقد يكون الطريق الموصل للعقار مملوكا له وقد يكون غير مملوك له، ويكون غير مملوك له ويكون له حق المرور فيه، فحق المرور من الطريق العام ثابت لكل إنسان ومقدر لكل عقار متصل به بإطلاق، ولكل أن يمر من هذا الطريق بلا قيد ولا شرط، ولكل صاحب عقار متصل به أن يفتح بابا لعقاره فيه من غير قيد ولا شرط أيضا، وذلك لأن الطريق قد خصص لمنفعة الكافة، فليس لأحد حق فيه أكثر من الآخرين، وليس لأحد فيه حق على جهة الخصوص وإذا كان كذلك فلا يمنع من الإرتفاق به أحد ما دام يرتفق في الدائرة التي خصص لها الطريق." (2)
وفي مقابل ذلك يعرف إ رتفاق المرور المتعلق بالوصول إلى الطريق العام بأنه: " حق انتفاع عيني لصاحب الأرض المحصورة في المرور إلى الطريق أو في فتح الأبواب و النوافذ على ملك الغير سواء كان الطريق عاما يترك في الإنتفاع به كل الناس أم خاصا مملوكا لشخص آخر، فهو من القيود التي أوردتها الشريعة الإسلامية تنظيما للملكية وضمانا لأداء وظيفتها ال إ جتماعية".
وعليه فإن إرتفاق المرور هو حق عيني متفرع عن حق الملكية يجعل لمالك العقار المرتفق أن يباشر بعض سلطات مالك هذا العقار فهو بذلك يتضمن الحد من منفعة عقار لفائدة عقار آخر يملكه شخص آخر .
وقد عرف ملزي عبد الرحمان حق المرور بقوله :
" حق المرور في حالة الإ نحصار "le droit de passage en cas d'enclave" : هو حق مالك الأرض المحصورة عن الطريق العام في أن يحصل على ممر في الأراضي المجاورة إلى هذا الطريق. " (3)
وعليه تكون الأرض محصورة عن الطريق العام إذا كان لا يصلها به أي ممر أو كان الممر غير كاف، وقد ارتأيت التفصيل في معنى الإنحصار عند الحديث عن شروط قيام هذا الحق.
ومن ثمة لا يثبت هذا الحق لمن يريد المرور لتحقيق أغراض أخرى غير الوصول إلى الطريق العام كمن كان في حاجة إلى القيام بأعمال إنشائية أو ترميمية أو استعادة أشياء ضائعة، كما أنه لا يثبت للجمهور حتى لو كانت أرض المالك واقعة على الطريق العام و أصبح المرور في هذا الطريق متعذرا.
وتجدر الإشارة هنا بأن الطريق العام غير قاصر على الطرق البرية المملوكة ملكية عامة، و إنما يشمل أيضا الطرق البحرية و النهرية التي كان من الممكن لمالك الأرض استعمالها استعمالا يتناسب مع الاستغلال العادي لأرضه، وقد اعتبرت المادة 16 من القانون 90/30 المحدد للنظام القانوني للأملاك الوطنية الطريق العام من الأملاك الوطنية العمومية الصناعية المخصصة للاستعمال العام والمعدة أساسا للنقل دون المرور عن المرافق العامة .
وإذا كان يختار لحق المرور عقار مجاور يكون المرور فيه أخف ضررا من المرور في العقارات المجاورة و في موضع من هذا العقار يتحقق فيه هذا الاعتبار كذلك ، فماذا تشمل هذه الأراضي المجاورة ؟ (1)
إن أول أرض يمر فيها مالك الأرض المحصورة تكون بداهة أرضا ملاصقة لأرضه، فإن كان المرور في هذه الأرض يؤدي به إلى الطريق العام كان هذا كافيا وإلا فإنه يمر أيضا في الأرض أو الأراضي التي تكون مجاورة لأول أرض يمر فيها إلى أن يصل إلى الطريق العام. (2)
ويستوي أن تكون الأرض أو الأراضي التي يمر فيها أراضي زراعية أو أراضي بناء أو أراضي فضاء، حدائق أو أحواشا، مسورة أو غير مسورة، فإن كانت مسورة كحديقة أو فناء ملحق بمنزل وجب على صاحبها أن يفتح فيها منفذا للمرور منه، ويجوز أن يبقيها مسورة يفتح بها بابا يعطى مفتاحه لصاحب الأرض المحصورة، ويجوز أن يتقرر المرور في أرض لا يجوز التصرف فيها كالأراضي الموقوفة (3) ، إلا أن هذه المسألة تبقى خلافية فهناك من يقول بجواز ممارسة حق المرور على الأملاك الوقفية وهناك من يرفض ذلك مادام أن المشرع لم ينص عليها صراحة في القانون 01/07 الصادر في 22 يوليو 2001 المتعلق بالأوقاف ومن ثمة لا بد من الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
كما أنه لا يوجد ما يمنع أن يكون الممر في الأملاك الوطنية العمومية أو الخاصةالتي جاء النص عليها في القانون 90/30المؤرخ في 01/12/1990 والمتعلق بالأملاك الوطنية .
كما يجوز أن يكون موضع الممر على سطح الأرض، كذلك يجوز أن يكون تحتها، كما إذا تقرر حق المرور لمحجر أو لمنجم في باطن الأرض وكذلك يجوز أن يكون الممر في موضع هو أعلى من سطح الأرض كما إذا أقام أحد الأفراد جسرا عاليا فوق سطح الأرض، فيتقرر لجاره صاحب الأرض المحصورة حق المرور فوق هذا الجسر. (1)
ومنه يمكن القول أنه لا يستلزم أن يحدد ممر على سطح الأرض فقط وإن كان هو الحالة الغالبة وإنما يجوز أن يكون موضع الممر تحت سطح الأرض أو في فضاء سطحها، كما أنه يمكن الاستناد أيضا إلى نص المادة 675 من التقنين المدني الذي يقضي في الفقرة الثانية منه على أنه : " وتشمل ملكية الأرض ما فوقها وما تحتها إلى الحد المفيد في التمتع بها علوا وعمقا."
فالمشرع إذن في المادة 693 لم يستعمل كلمة "أرض" (Sol) وإنما استعمل كلمة الأملاك (Fonds) ،الأمر الذي يجعل هذه المادة تطرح إشكالا في نوعية هذه الأملاك، وحسب رأيي لابد من الأخذ بالمدلول الواسع للكلمة.
المطلب الثاني: تعريف حق المرور للأرض المحصورة قانونا
لقد اهتم المشرع الجزائري بتنظيم أحكام هذا الحق من خلال تخصيص عشرة (10) مواد ضمن القانون المدني معالجة له، وإن كان المشرع لم يأت بتعريف دقيق لهذا الحق إلا أنه باستقراء نص المادة 693 استخلصت تعريف حق المرور للأرض المحصورة بأنه: " ذلك الحق الذي يثبت لمالك الأرض المحصورة عن الطريق العام بالمرور على الأملاك المجاورة مقابل تعويض مناسب".
ويمكن القول أن عبارة "الأرض المحصورة" المستعملة في النص الجزائري عوض كلمة العقار من شأنها التضييق من مجال الحق، مما قد يؤدي إلى اختلاف في تفسير هذه العبارة بل وإلى حد عدم الاعتراف بالحق إذا ما تعلق الأمر بعقارات مبنية.
وقد أعقب المشرع نص المادة 693 بالمواد من (694-702) حدد من خلالها معالم الأرض المحصورة، موقع الممر، الحالات التي يزول فيها حق المرور، وعني على وجه الخصوص بتحديد كفاية الممر من عدمه فاعتبره كافيا متى كانت الأضرار عارضة ممكن إزالتها بنفقات قليلة أو كان على سبيل الإباحة، وفي مقابل ذلك اعتبره غير كافي أو غير ممكن متى كلف مشاق كبيرة تقتضي نفقات باهضة غير متناسبة وقيمة العقار دون أن يحدد المقصود بالطريق العام والأراضي المجاورة (2).
وتجدر الإشارة في نفس الإطار بأن الحق في المطالبة ب حق المرور لا يثبت فقط لمالك الأرض المحصورة عن الطريق العام -كما يفهم من ظاهر النص- بل يثبت أيضا لمن يكون له حق عيني على العقار المحصور يخوّل له استعماله واستغلاله كالمنتفع وصاحب حق الاستعمال أو السكنى، ذلك أن هذه الحقوق العينية تثبت لصاحبها سلطة مباشرة على الشيء تخوّل له استعماله واستغلاله، فيكون له المطالبة بما للمالك من مكنات لتسيير هذا الاستعمال أو الاستغلال دون حاجة لوساطة، وبالعكس لا يثبت هذا الحق لأصحاب الحقوق الشخصية كالمستأجر و المستعير، فهؤلاء ليس لهم سلطة مباشرة على العقار المحصور، وإنما تترتب قبل مدينهم وهو مالك العقار أو صاحب حق عيني آخر عليه، ومن ثمة فلا يجوز لهم المطالبة بحق المرور مباشرة، بل يتعين أن تكون المطالبة بواسطة مدينهم. (1)
أما عن التشريعات المقارنة ف قد عرّفت المادة 682 من التقنين المدني الفرنسي حق المرور في حالة الحصر واعتبرته إرتفاقا قانونيا بنصها على أنه:
" La servitude légale pour cas d'enclave est une servitude qui résulte de la loi, et non de l'accord des parties, la démonstration de l'état d'enclave de la parcelle constitue le titre légal de la servitude de passage.
Seul l'accès à la voie publique justifie la création de ce type de servitude qui peut disparaître par le non usage ou pour cause d'inutilité". (2)
في حين أن المشرع المصري من خلال نص المادة 812 وعلى حد قوله فقد أعطى:
"مالك الأرض المحبوسة عن الطريق العام أو التي لا يصلها بهذا الطريق ممر كاف إذا كان لا يتيسر له الوصول إلى ذلك الطريق إلا بنفقة باهضة أو مشقة جدا، له حق المرور في الأراضي المجاورة بالقدر اللازم لإستغلال أرضه و استعمالها على الوجه المألوف ما دامت هذه الأرض محبوسة عن الطريق العام و ذلك في نظ ي ر تعويض عادل ولا يستعمل هذا الحق إلاّ في العقار الذي يكون المرور فيه أخف ضررا وفي موضع منه يتحقق فيه ذلك.
على أنه إذا كان الحبس عن الطريق العام ناشئا عن تجزئة عقار تمت بناء على تصرف قانوني وكان من المستطاع إيجاد ممر كاف في أجزاء هذا العقار، فلا تجوز المطالبة بحق المرور إلا في هذه الأجزاء". (3)
أما عن إرتفاق المرور فقد جاءت المادة 867 من التقنين المدني تنص على أن: " الإرتفاق هو حق يجعل حدا لمنفعة عقار لفائدة عقار آخر، ويجوز أن يترتب الإرتفاق على مال إذا كان لا يتعارض مع الاستعمال الذي خصص له هذا المال "، والملاحظ هنا وإن استعمل المشرع عبارة "حدا" إلا أنه في الواقع فإن حق الإرتفاق يقلص ويقلل من هذه المنفعة دون إنهائها، أما المشرع الفرنسي فقد استعمل عبارة « limite la jouissance » في حين أن المشرع المصري فقد نص عليه في المادة 1015 من التقنين المدني المصري.
المطلب الثالث: تعريف حق المرورللأرض المحصورة قضاءًا
لم يتطرق القضاء الجزائري في العديد من القرارات و الإجتهادات القضائية الصادرة عنه في هذا الموضوع إلى تعريف حق المرور القانوني بل جاءت في معظمها مؤكدة للأحكام القانونية التي أوردها التقنين المدني بتأكيد الشروط الواجب توفرها لقيامه، الدعاوى القضائية الكفيلة بحماية هذا الحق سلطة القاضي في تعيين الممر وتحديده، أثر التقادم على المطالبة به و غيرها من الموضوعات الأخرى.
بحيث تم التأكيد في العديد من القرارات الصادرة عن المحكمة العليا بأن مناط حق المرور القانوني هو انحصار الأرض عن الطريق العام، ففي القرار رقم 474/ 54 الصادر في 15/11/1989 (1) عن الغرفة المدنية للمحكمة العليا تم التأكيد على أنه من: " المقرر قانونا أن إنشاء حق إرتفاق على ملك الغير يشترط فيه أن يكون السكن محصورا، و من ثمة فإن النعي عن القرار المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون غير مبرر يستوجب رفضه" ، و كذلك القرار رقم 239277 الصادر بتاريخ 23/10/2002 الذي جاء في حيثياته أنه:" حيث أنه في قضية الحال فإن قضاة الموضوع الذين يقدرون بكل سيادة وقائع القضية و في جملة ما إ ستخلصوه من تقرير الخبرة بأن عقار المالك المدعى عليه في الطعن محصور لأن الممر المتنازع عليه هو الذي يمكنه من الوصول إلى الطريق العمومي."
و كذلك القرار رقم 516/50 ال مؤرخ في 15/03/1989 الذي جاء هو الآخر مؤكدا لمقتضيات المادة 693 من التقنين المدني ذلك أنّه:" من المقرر قانونا أنه يجوز لمالك الأرض المحصورة التي ليس لها أي ممر يصلها بالطريق العام أو كان لها ممر غير كاف للمرور أن يطلب حق المرور على الأملاك المجاورة مقابل تعويض " (2)
فحق المرور في حالة الحصر و إن كان قائما بقوة القانون إلا أن القانون قد أناطه بمجموعة من الشروط الواجب توفرها لقيامه و هي شروط أكدتها قرارات المحكمة العليا في كل مرة:
فمثلا القرار رقم 24/353 المؤرخ في 06/03/1985 الذي جاء فيه أنه:" من المقرر قانونا بأنه لا يجوز لمالك الأرض المحصورة أو التي لها ممر غير كاف على الطريق العام أن يطلب حق المرور على أرض الغير إذا كان هذا الحصر ناتجا عن إرادته هو ، و لما كان ثابت في قضية الحال أن الطاعن أكد أنّه حفر الخندق المتنازع من أجله دون معارضة المطعون ضده قبل بنا ئ ه المر آ ب و بعد بنائه المسكن وأن عدم توفر هذا الأخير على فتحة تؤدي إلى البناء المذكور تكون بالتالي من فعل إرادته.
بما أن قضاة المجلس لم يتطرقوا لهذه النقطة في عناصر الدعوى لاستخراج طابع الحصر المحتج به ولتطبيق النص القانوني واِكتفوا بالقضاء بحق الاشتراك في المرور فإنهم بقضائهم قد خرقوا القانون." (1)
وقد حدد المشرع ضوابط خاصة بتع ي ين الممر وجعل للقاضي الاختصاص في ذلك ، فقد جاء في القرار رقم 985/55 المؤرخ في 15/11/1989 أنه: " من المقرر قانونا أنه يجب أن يؤخذ حق المرور من الجهة التي تكون فيها المسافة بين العقار و الطريق العام ملائمة و التي تلحق أقل ضررا ب ال ملاك المجاورين، ولما كان الثابت في قضية الحال أن أرض الطاعن أصبحت محصورة بعد إنجاز الطريق الجديد من قبل مصالح الطرقات و الجسور وأن الخبير بيّن أن الجهة التي تؤدي إلى الطريق لا تحدث ضررا للجار ومن ثمة فإن قضاة المجلس بإلغائهم الحكم المستأنف لديهم وبقضائهم من جديد برفض طلب الطاعن يكونوا قد خالفوا القانون." (2)
وإذا كان مناط حق المرور في حالة الحصر هو إنحصار الأرض عن الطريق العام إلا أنه قد يصدر عن مالك العقار تصرف قانوني يؤدي إلى إنحصار جزء منه، فحق المرور هنا لا يطلب إلاّ على الأراضي التي يشملها هذا التصرف وهذا ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا بدليل القرار رقم 229229 الصادر بتاريخ 22/05/2002 في القضية بين (ط أ) ضد (ح ص) و الذي جاء فيه أنه: " حيث أنه بالرجوع إلى القرار محل الطعن نجد أن الطاعن دفع بأن عقار المطعون ضده محصور وأن هذا الحصر ناتج عن قسمة الأرض بين فريق (ح) .
حيث أن المجلس لم يرد على هذا الدفع مما لا يسمح للمحكمة العليا بممارسة حقها في الرقابة.
حيث أنه طبقا للمادة 697 قانون مدني والتي تنص صراحة بأنه إذا كانت الأرض المحصورة ناتجة عن تجزئة عقار بسبب بيع أو مبادلة أو قسمة أو من أي معاملة أخرى فلا يطلب حق المرور إلاّ على الأراضي التي تشملها تلك المعاملات." (3)
وفي مقابل حق المرور المقرر للأرض المحصورة اهتمت المحكمة العليا بدورها بتحديد المبادئ القانونية التي تضبط إرتفاق المرور من خلال تحديد شروطه والدعاوى الكفيلة بحمايته وهي دعوى الحيازة أساسا إذا ما توافرت شروطها القانونية، و قد جاء في القرار 226568 المؤرخ في 20/03/2002 تأكيد على نقطة هامة و هي أنه لا يكون هناك إ رتفاق مرور في غياب حصر العقار بحيث أعاب المدعي على القرار المطعون فيه فصله في القضية على أساس تحقيق، في حين أنه استشهد بالأحكام الصادرة في 1950 و بمخطط القسمة المؤرخ في 21/02/1949 التي تثبت عدم وجود أي إر تفاق على عقار المدعي في الطعن الذي يتمسك بحجية الشيء المحكوم فيه ، ذاهبا إلى أن الخبير قد أكد في تقريره عدم حصر عقار المدعى عليه المتوفر على ممرات عديدة، و إلى أن القرار المطعون فيه خال من الأساس القانوني و أضاف هذا القرار كذلك أن: " حق التقادم ممنوح قانونا أما الوقائع المشكلة لهذا التقادم فمتروكة لتقدير القاضي و إذا ما اعتمدنا هذا التفسير فإنه لا يمكن لمالك الأرض المحصورة الاستفادة من التقادم المكسب المنصوص عليه في المادة 699 إلا إذا أثبت بجميع الوسائل بأنه استعمل الممر طيلة 15 سنة على الأقل، و إذ ذاك يستطيع طلب و الحصول على تكريس حقه بحكم يعد بمثابة سند."
أما في القرار رقم 239277 و المؤرخ في 23/10/2002 فقد أيدت المحكمة العليا قضاة الموضوع في استخلاصهم من تقرير الخبرة بأن عقار المدعى عليه في الطعن كان محصورا و بما أن الممر المتنازع عليه هو وحده الذي يمكنه من الوصول إلى الطريق العمومي، و بالنتيجة صرّحت بإمكانية ممارسته دعوى الحيازة حتى و لو لم يستفد من التقادم و هذا تطبيقا للمادة 702 من التقنين المدني. (1)
وكذلك القرار رقم 033/98 المؤرخ في 25/05/1994 الذي ورد في حيثياته أنه:" حيث أن المطعون ضدهما (ف ي) و (ب ي) طالبا من قضاة الموضوع أمر الط ا عن بإعادة فتح الطريق المتنازع عليه الذي يعبر أرض هذا الأخير وذلك كون أن هذا العقار كان مرتفقا بحق الم ـ رور منذ م ـ دة، وأن (خ ب) قد سمح لنفسه بغلق الممر المذكور.
حيث أن أرض المدعين الأصليين أصبحت محصورة فلا يستطيعان الوصول إلى الطريق العمومي بسبب فعل خصمهما.
حيث أن الخبير لم يشاهد أي ممر أو مسلك قديم على عقار الطاعن بل لاحظ وضعية المطعون ضدهما المتمثلة في حصر عقارهما في سببين، الأول أن القطعة الأرضية المكتسبة من قبلهما كانت محصورة تماما في الأصل و الثاني هو عدم استعمال الممر القديم للراجلين، ولهذا فإن قضاة الاستئناف خالفوا فعلا أحكام المادة 688 و الفقرة الأولى من المادة 695 مدني." (2)
وكذلك الأمر بالنسبة ل لقرار رقم 225806 الصادر في 20/02/2000 و الذي ورد ضمن حيثياته: "حيث أن قضاة المجلس لم يبيّنوا في قرارهم طبيعة هذه الدعوى من حيث أنها إما دعوى لحماية حيازة استعمال الممر و بالتالي فهي دعوى حيازية جاءت وفقا لأحكام المادة 702 من القانون المدني، وإما دعوى لحماية حق إرتفاق مثقل لملكية الطاعن وفقا للمادة 868 من القانون المدني، ذلك أن دعوى الحيازة لا تمنع مستقبلا من تطبيق أحكام المادة 693 من القانون المدني عند الاقتضاء المتعلق بإنشاء ممر جديد نظرا لحالة الحصر مقابل تعويض عادل، ولا يمكن تطبيق هذه المادة إذا ثبت أن هذا الممر هو حق إرتفاق." (1)
المبحث الثاني: الطبيعة القانونية لحق المرور للأرض المحصورة
يستقل حق المرور للأرض المحصورة بخصائص تميزه عن غيره من الحقوق الأخرى ، خصائص مستنبطة أساسا من الطبيعة القانونية لهذا الحق، وإن كانت هذه الطبيعة القانونية لا تثير أي خلافات فقهية إلا ما تعلق منها بالتسميات الدالة على هذا المعنى من حق قانوني أو إرتفاق قانوني أو إرتفاق مرور أو ...، الأمر الذي يجعلني لا أدخل في متاهات الخلاف الفقهي من حيث اعتبار حق المرور قيد على الملكية أو أنه يرقى إلى الحق العيني المتفرع عن الملكية أو أنه ذو طبيعة مختلطة لأن المشرع الجزائري قد حسم الأمر وكان واضحا بحيث جاء النص على حق المرور للأرض المحصورة تحت عنوان "القيود الواردة على الملكية"، إلا أن اعتباره كذلك يترتب عليه آثار قانونية هامة مستنبطة أساسا من تمييزه عن مفهوم مشابه له والذي كثيرا مايخلطه به رجال القانون وهو إرتفاق المرور.
المطلب الأول: حق المرور كقيد من القيود الواردة على حق الملكية.
لما كان حق الملكية حقا غير مطلقا فإن القيود التي ترد عليه من شأنها أن تؤكد هذا المعنى ، وقد تعددت القيود فبعضٌ منها يتقرر للمصلحة العامة وبعض آخر يتقرر للمصلحة الخاصة ، وبعضها يرد على حق الملكية بعد قيامه وبعضها يرد على الحق في التملك قبل قيام حق الملكية ، وكثير من هذه القيود يرجع إلى الجوار سواء الجوار بوجه عام أو الري و الصرف بين الجيران من شرب ومجرى ومسيل أو التلاصق في الجوار كوضع الحدود بين الجيران المتلاصقين و حق المرور في أرض الجار وحق فتح المطلات و المناور على ملك الجار . (2)
و يقول الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري في هذا الصدد:" بأنه إذا كان حق الإرتفاق هو حق يتقرر على عقار لمصلحة عقار آخر، فيخرج بكل من العقار المرتفق به و العقار المرتفق عن النظام المألوف لحق الملكية، إذ الأصل أن يكون حق الملكية خاليا من القيود إلا تلك التي فرضها القانون فما تقرر من قيد- غير القيود التي تعتبر التنظيم العام لحق الملكية –فخرج بالملكية عن حدود هذا التنظيم فهو حق إرتفاق، أما تلك القيود التي فرضها القانون ، ما تقرر منها للمصلحة العامة أو ما تقرر للمصلحة الخاصة كقيود الجوار و الري و الصرف بين الجيران من شرب ومجرى و مسيل ووضع الحدود بين الجيران المتلاصقيــن و حـق المرور في أرض الـجار وحق فتح المطلات و المناور على ملك الجار ،هذه القيود التي فرضها القانون و التي تمثل التنظيم العام المألوف لحق الملكية ليست بحقوق إرتفاق بالمعنى الدقيق."
و لما كانت إرادة الإنسان هي مصدر حقوق الإرتفاق سواء تجسدت في تصرفات قانونية أو تصرفات مادية، فإن ذلك يجعل حقوق ال إ رتفاق تختلف عن القيود الواردة على حق الملكية ، فهذه الأخيرة يرتبها القانون فور توفر شروط معينة فهي بذلك واردة على سبيل الحصر، بينما لما كانت الإرادة هي مصدر حقوق الإرتفاق فإن هذه الإرادة لها أن تنشئ ما شاءت من إرتفاقات طالما كانت مشروعة و غير مخالفة للنظام العام. (1)
فالمالك وإن كانت له سلطات جامعة على ملكه، فإن المشرع قد حد من هذه السلطات ورسم الحدود التي يجب على المالك مراعاتها في مزاولته لحقه، ويعتبر بذلك حق المرور من القيود القانونية التي تصدق على كل ملكية توجد في ظروف معينة وعلى هذا النحو تتفق هذه القيود مع حقوق الإرتفاق في أن كلا منهما تتضمن الحد من منفعة عقار لفائدة عقار آخر، إلا أنه يبقى مع ذلك فارق جوهري بينهما يتضح من خلال أن القيود القانونية تعتبر حدودا عامة لكل ملكية توجد في ظروف معينة، بينما يمثل حق الارتفاق فكرة الخروج عن هذا الوضع العادي فهو عبء استثنائي يتقرر بفعل الإنسان، وكثيرا ما يخلط رجال القانون بين القيود التي ترد على حق الملكية وبين حقوق الإرتفاق، غير أن التقنين المدني الجزائري حسم النزاع في هذه المسألة فوضع هذه القيود المشار إليها في مكانها الصحيح وأورد ضمن القيود الواردة على حق الملكية حق المرور للأرض المحصورة، بينما نظم حق الإرتفاق مع الحقوق العينية المتفرع عن الملكية (2)، في حين نجد التشريع الفرنسي يخلط بينهما فيسمي القيود الواردة على حق الملكية بالإرتفاقات القانونية (3) ، ويسمي الإرتفاقات بمفهومها الحقيقي إرتفاقات ناشئة بإرادة الإنسان وهو الأمر الذي دفع جانب من الفقه الفرنسي يتساءل إن كانت ال إ رتفاقات القانونية تشكل إرتفاقات حقيقية أم لا . (4)
المطلب الثاني: تمييز حق المرور القانوني عن إرتفاق المرور
لقد فصل المشرع الجزائري بين حق المرور كقيد من القيود الواردة على الملكية وبين اعتباره كحق إرتفاق، وحسنٌ فعل عندما نظّم القيود الواردة على حق الملكية- في القسم الثالث من الفصل الأول من الباب الأول الذي يحمل عنوان حق الملكية- و من بينها حق المرور للأرض المحصورة، ورتّب نتائج هامة على إ عتباره قيدا على الملكية يمكن إبراز هذه النتائج من خلال النقاط التالية:
1- حق المرور للأرض المحصورة هو حق قانون ي ذلك أن القانون قد رتبه على حالة واقعية وهي انحصار العقار وجعله ثابت بمجرد قيام حالة الانحصار ويظل باقيا ما دام الانحصار قائما ، ومقتضى هذا أن الحق يوجد قبل تعيين الممر وطريق ة المرور وقبل تقدير التعويض الواجب دفعه . (1)
فإذا فرض أن المالك المجاور قد حصل على حق المرور من أرض الجار ثم اِنفك انحصار أرضه بأن إ ستحدث مثلا طريق عام بجوارها أو كسب المالك ملكية أرض مجاورة لها منفذ إلى الطريق العام فانفك بهذا المنفذ حصر أرضه، فإن حق المرور يفقد السبب في بقائه ومن ثمة يزول، ذلك أن هذا الحق ليس بحق إرتفاق بل هو قيد على ملكية الأرض المجاورة ، مما يجعل هذا القيد منوط بانحصار الأرض التي يمارس صاحبها حق المرور الذي يعتبر حق غير دائم ، فإذا انفك الحصر لم يعد للقيد مبرر وأصبح صاحب الأرض المجاورة غير ملزم بتحمل هذا القيد بعد أن زال سبب قيامه، فإذا طالب هذا الأخير بإنهاء حق المرور كان له ذلك بعد أن أصبح للأرض التي كانت محصورة ممر آخر يؤدي إلى الطريق العام ، وإن رضي ببقاء حق المرور متفقا على ذلك مع المالك المجاور كان له ذلك أيضا، ولكن حق المرور في هذه الحالة ينقلب من قيد قانوني مصدره القانون إلى حق إرتفاق حقيقي إذا كان صاحب الأرض المحصورة قد اتفق مع الجار على أن يمر في موضع من الأرض المجاورة ليس هو الأخف ضررًا، أو كان هو الطريق الأطول دون مبرر، أو كانت الأرض غير محصورة ولكن صاحبها اتفق مع الجار على المرور في أرضه لأن المسافة منها إلى الطريق العام أقصر وأيسر (2) ، فيتحول بذلك إلى إرتفاق مرور غير مستمر لأنه يحتاج في استعماله لعمل الإنسان وظاهر ما دام الطريق الذي يمارس فيه الإرتفاق له معالم ظاهرة تجعله قابل لأن يكتسب بالتقادم. (3)
ومن ثمة فإن حق المرور للأرض المحصورة هو مرور قانوني يجد مصدره الوحيد في القانون خلافا لإرتفاق المرور الذي يجد مصدره في إرادة الإنسان وقد نصت المادة 868 من التقنين المدني على أنه :" ينشأ الإرتفاق عن الموقع الطبيعي للأمكنة أو يكسب بعقد شرعي أو بالميراث....." فالملاحظ أن المشرع قد اعتبر الموقع الطبيعي للأمكنة مصدرا من مصادر حق الإرتفاق، غير أن هذا يتنافى ومبدأ أن الإرتفاقات مصدرها إرادة الإنسان، فترتيب حق الإرتفاق على أساس الموقع الطبيعي للأمكنة معناه أن مصدر هذا الإرتفاق هو الطبيعة والواقع أن مجرد قيام الموقع الطبيعي للأمكنة لا يكفي لترتيب حق الإرتفاق لولا تدخل إرادة الإنسان التي تجسده في شكل تصرف قانوني أو مادي، غير أنه لو تم تقييد هذه الإرادة وإلزامها بترتيب إرتفاقات على أساس الموقع الطبيعي للأمكنة فإن ذلك لا يتأتى حتما إلا بنص قانوني حينئذ سنكون بصدد قيد قانوني وليس حق إرتفاق، قيد أنشأته الطبيعة وأقره القانون دون تدخل إرادة الإنسان.
وثمة تشريعات أخرى كالتشريع اللبناني و السوري والفرنسي نظمت الإرتفاقات الناتجة عن الموقع الطبيعي للأمكنة مستقلة عن القيود الواردة على حق الملكية وعن الإرتفاقات الناتجة عن إرادة الإنسان من خلال المادة 640 من القانون المدني الفرنسي والمادة 59 من قانون الملكية العقارية اللبناني، في حين أن المشرع المصري لم ينص تماما في المادة 1016 من القانون المدني المصري على الوضعية الطبيعية للأمكنة.
2 - إذا كانت القيود الواردة على حق الملكية تشكل رخصة من المباحات لا يمكن إ كتسابها بالتقادم على خلاف حقوق الإرتفاق نظرا لما تحمله هذه الأخيرة من معنى التعدي الذي يشكل أساس الحيازة المكسبة لحق ال إ رتفاق ، فإن حق المرور للأرض المحصورة عن الطريق العام يمكن إكتسابه بالتقادم فيتحّول إلى إرتفاق لصالح العقار المحصور عن الطريق العام و لا يزول بزوال حالة الحصر إعمالا بنص المادة 699 من التقنين المدني ، ويقاس ذلك أيضا على قيد المطل الذي ينقلب إلى حق إرتفاق إذا إتفق صاحب المطل مع صاحب العقار المجاور على فتح المطل على مسافة أقل من المسافة القانونية فيتحول القيد القانوني ومصدره القانون إلى حق الإرتفاق ومصدره الاتفاق .
3 - اعتبار حق المرور للأرض المحصورة من القيود الواردة على حق الملكية يجعله لا يسقط بعدم الاستعمال خلافا لحق الإرتفاق الذي يسقط بالتقادم بعد عدم استعماله مدة عشرة سنوات طبقا للمادة 879 من القانون المدني.
4 - لا يفرض على المالك الذي يريد بيع عقاره ضمان خلوه من حق المرور القانوني، لأنه ليس بحق إرتفاق بل هو التنظيم العادي المألوف لحق الملكية، ومن ثمة لا يفرض عبء استثنائي يلزم المالك الإعلان عنه عند بيع العقار ، ويقاس ذلك على أنه مثلا لو ضمن البائع خلو المبيع من حق إرتفاق بالمطل فهو لا يضمن بذلك خلو المبيع من المطل القانوني -إذ أن هذا ليس بحق إرتفاق بل هو قيد قانوني- وإنما يضمن للمشتري خلو المبيع من حق إرتفاق بالمطل فرضه الاتفاق أو كسب بالتقادم، وهو أن يفتح الجار مطلا على مسافة أقل من المسافة القانونية.
5 - إن حق المرور القانوني لا يخضع لنظام الشهر مثله مثل باقي القيود الواردة على حق الملكية عكس حقوق الإرتفاق التي تخضع لنظام الشهر أي وجوب قيدها بالسجل العقاري طبقا لنص المادة 793 من التقنين المدني. (1)
و بالرغم من أهمية التمييز بين القيود القانونية الواردة على حق الملكية و حقوق الإرتفاق، إلا أن ما ألاحظه هو وجود بعض الخلط بينهما سواء على مستوى التشريع أو من خلال التطبيقات القضائية فعلى مستوى التشريع أجد أنّ المشرع الجزائري نص على قيود قانونية في القانون رقم 05/12 المؤرخ في 04/08/2005 والمتعلق بالمياه غير أنه سماها إرتفاقات، بحيث نص تحت عنوان "الإرتفاقات المتعلقة بالأملاك العمومية الطبيعية للمياه" وفي المادتين 10و11 منه على ما يسمى بارتفاق الحافة الحرة، وهو من الارتفاقات الإدارية المقررة حماية للأملاك العمومية بحيث نص في المادة العاشرة على أنه: " تنشأ على طول ضفاف الوديان والبحيرات والبرك والسبخات والشطوط منطقة تدعى الحافة الحرة يتراوح عرضها من ثلاثة إلى خمسة أمتار داخل الملكية العمومية الطبيعة للمياه تخصص للسماح بالمرور الحر للعمال وعتاد الإدارة المكلفة بالموارد المائية أو المقاولين المكلفين بأعمال الصيانة والتنظيف وحماية الحواف ".
كذلك الأمر بالنسبة لمانصت عليه المادة الحادية عشر من نفس القانون: "ينشأ إرتفاق الحافة الحرة على طول ضفاف الوديان والبحيرات ... التي لا يمكن تحديد واستعمال منطقة الحافة الحرة فيها لأسباب طبوغرافية أو ..يتراوح عرضه من ثلاثة (03) إلى خمسة (05) أمتار داخل الأملاك المجاورة وتحسب إبتداءا من حدودها "، فهو إذن قيد وارد على ملكية الأراضي المجاورة حدد القانون كيفية تعيينه وفي ذلك خلط وقع فيه المشرع الجزائري بتقريره قيدا على الملكية وسماه بإرتفاق الحافة الحرة.
وقد منحت في نفس الإطار المادة 23 من نفس القانون لمستخدمي الإدارة وعتادها أو المقاولين المكلفين بصيانة الأملاك العمومية الإصطناعية للمياه حرية المرور على الممتلكات الخاصة لمجاوري قنوات التحويل وقنوات جر المياه وكذا تفريغ مواد التنقية على اتساع خمسة أمتار على جانبي الأملاك العمومية الإصطناعية للمياه، كما جاءت المادة 28 بالمعيار المعتمد في تعيين الممر بحيث نصت على ضرورة الأخذ بإرتفاق المرور في إطار الشروط الأكثر عقلانية والأخف ضررا لاستغلال العقار.
أما ما تعلق بالتطبيقات القضائية فقد صدر قرار عن المحكمة العليا في 15/11/1989 تحت رقم 74 544 يلا حظ أنه لم يفرق بين حق المرور كقيد قانوني و حق المرور باعتباره حق إرتفاق حيث جاء فيه ما يلي:
" من المقرر قانونا أن إنشاء حق ال إ رتفاق على ملك الغير يشترط فيه أن يكون السكن محصورا ومن ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون غير مبرر ويستوجب رفضه .
و لما كان من الثابت في قضية الحال أنه ثبت لجهة الاستئناف من خلال الخبرة المجراة أن مسكن الطاعن غير محصور و له ممر آخر يمر منه فمنعته من استعمال الممر المتنازع عليه، فإنها بقضائها كما فعلت التزمت صحيح القانون و متى كان كذلك إ ستوجب رفض الطعن.
- عن الوجه الثاني الذي أعابه بخرق المادتين 827 و 899 مدني لكون الطاعن يستعمل هذا الممر منذ 1945 وقبل مجيء المطعون ضده وله حق التقادم المكسب عليه.
-حيث أن إنشاء حق الإرتفاق على ملك الغير لن يكون إلاّ إذا كان مسكن الطالب محصورا .
- وحيث ثبت لجهة الاستئناف من خلال الخبرة المجراة بتاريخ 08/12/1984 بأن مسكن الطاعن غير محصور وله ممر آخر يمر منه مما جعلها محقة ب منعه من استعمال الممر المتنازع عليه ولا يسوغ له التمسك بحق التقادم هنا مادام وأنه لا يستند إلى سند صحيح مما يجعل هذا الوجه غي ر مبرر أيضا ".
فالمحكمة العليا من خلال قرارها أيدت جهة الاستئناف التي رفضت طلب الطاعن المتعلق باكتسابه لحق الإرتفاق بالمرور على أساس التقادم المكسب ، وكان تأسيس رفض الطلب على أن مسكن الطاعن غير محصور من خلال ما أكدته الخبرة المجراة فلا يجوز التمسك بحق التقادم كون حق الإرتفاق على ملك الغير لن يكون إلا إذا كان مسكن الطالب محصورا .
غير أن ه يلاحظ أنه لو كان مسكن الطاعن محصورا لتعلق الأمر بقيد قانوني أي أن حق المرور مقرر للطالب بقوة القانون ولا يحتاج إلى المطالبة به استنادا إلى التقادم المكسب هذا من جهة ، ومن جانب آخر فإن استفادة الطاعن من استعمال هذا الممر لمدة خمسة عشرة سنة يكسبه حق إرتفاق بالمرور وتعد مدة التقادم سند ملكية للإرتفاق رغم توقف حالة الحصر ، بمعنى آخر أن الطاعن يكتسب حق الإرتفاق بالتقادم بالرغم من كون مسكنه غير محصور أي بالرغم من زوال الحصر عنه وذلك ما أكدته المادة 699 من التقنين المدني التي سوف يأتي شرحها في حينه.
و الأكثر من ذلك فإن المشرع لم ينص تماما على وجوب أن يكون العقار محصورا لإمكانية إنشاء إرتفاق على ملك الغير ، فمثل هذا الشرط نكون ملزمين به عندما يتعلق الأمر بالقيد الـقانوني و ليس بحق الإرتفاق، هذا الأخير الذي تنشئه إرادة الإنسان و ليس القانون.
و المشرع ذاته نص على أنه لا تكتسب بالتقادم إلاّ الإرتفاقات الظاهرة بما فـيـها حـق المرور وذلك من خلال المادة 868 من التقنين المدني التي لم تشترط حالة الحصر عن الطريق العام لإمكانية ترتيب هذا الإرتفاق.